د. محمد سليم العوّا فى حوار لبرنامج «الطبعة الأولى» «١-٤» .. حكام المسلمين «قاعدين طواغيت».. وأهل الدين لا يؤدون واجبهم بدعوة الناس إلى تغييرهم
أعدته للنشر شيماء عادل ٢٨/ ٨/ ٢٠٠٩
قال المفكر الإسلامى الدكتور محمد سليم العوّا، الأمين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، إن الصحابة ابتكروا نظام الخلافة الإسلامية، بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لكى يستمر قوام الدولة الإسلامية من بعده، مشيرا إلى أن الإسلام لم يضع نظاماً واحداً يحكم به المسلمين، وإنما وضع قيمًا إسلامية دعا إلى تطبيقها سواء عبر نظام ملكى أو جمهورى أو إمبراطورى، لافتا إلى أن أى تنظيم يضعه الناس صحيح طالما كان منظما لمصالحهم، وضامنا للقيم، ومؤديا لتطبيق الأحكام الجزئية الفرعية.
وكشف العوّا خلال حواره مع الكاتب الصحفى أحمد المسلمانى فى برنامج «الطبعة الأولى» الذى أذيع مساء أمس الخميس وتنشره «المصرى اليوم» بالاتفاق مع قناة دريم عن أن الخليفة الحسن هو الخليفة الخامس للمسلمين بعد الخلفاء الأربعة، وليس عمر بن عبدالعزيز، وأنه تنازل عن خلافته لمعاوية بن أبى سفيان، بعد أكثر من عامين من حكمه للمسلمين، تحقيقاً لنبوءة الرسول محمد «هذا سيد، وسيجمع الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين».. وقد حدث.
وطالب بفصل الدين عن السياسة، وذلك «لنحرر الدين من رقة السياسة، ونحرر السياسة من أن تكون أسيرة أو مرهونة لدى علماء هى صنعتهم أو اختارتهم».
وإلى نص الحوار :
■ الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، ما فكرته.. أصوله وجذوره، كيف نشأ وما هو الوضع الحالى له؟
- الاتحاد هو منظمة شعبية إسلامية تسعى إلى أن تكون ممثلا شرعيا للأمة كلها، لايرتبط بالحكومات ولا يخضع لسلطانها، ولا يضم فى عضويته المتعصبين عن طريق الاحزاب أو الجماعات ذات التوجه التى تسيطر عليها جماعات ذات فكر واحد، وإنما كيان مفتوح لكل المسلمين، هو أمل راود المسلمين منذ زمن طويل، أستطيع أن أقول من بعد سقوط الخلافة، لأنه من بعد سقوط الخلافة العثمانية منذ ١٩٢٤، لم يكن للمسلمين كيان جامع سواء للأمة أو العلماء، رغم وجود مؤسسات مهمة مثل الأزهر فى مصر، والزيتونة فى تونس، والقرويين فى المغرب.
فكرة الاتحاد الأولى بدأت فى وقت واحد فى رأس رجلين عظيمين من رجال هذه الأمة، الدكتور توفيق الشاوى والدكتور يوسف القرضاوى، أخونا الأكبر، حيث كنا فى ندوة فى الجزائر عن «مستقبل العالم الإسلامى» عام ١٩٩٨، وطرح الدكتور الشاوى فكرة اتحاد سماه اتحاد المفكرين والعلماء المسلمين، وطرح الشيخ القرضاوى طرحاً مماثلاً سماه اتحاد العلماء والمفكرين المسلمين، وبدأ القرضاوى وبعض الذين ساعدوه، وأنا كنت منهم، الدعوة لهذا الاتحاد، وكتب رسالة طويلة جميلة مؤثرة تشرح حال الأمة وتدعو العلماء إلى الاتحاد من أجل النهوض بالأمة وإعادتها إلى ما كانت عليه.
وبالفعل وجهنا الرسالة إلى عدد كبير من العلماء وصلوا إلى آلاف، ولا أعرف أحدًا من العلماء رد علينا بعدم الموافقة، أو لم يردوا معتبرين سكوتهم موافقة على فكرة الاتحاد، والدليل على ذلك أن الاجتماع التأسيسى للاتحاد، الذى عُقد فى بريطانيا، شهد عددًا كبيرًا من الحضور ممن لم يرسلوا موافقتهم على فكرة إنشاء الاتحاد، وقالوا إن مجرد حضورنا يعد دليلا على موافقتنا على الفكرة.
وفى مسيرة التأسيس وجدنا أنه من الملائم تعديل الأسم ليصبح اتحاد العلماء المسلمين بدلاً من العلماء المفكرين المسلمين، باعتبار أن المفكر يجب أن يصبح عالماً، والعالم يجب أن يكون مفكراً.
■ تكلمت عن الخلافة الإسلامية وسقوطها وبالتالى كانت أحد الاسباب المتأخرة لقيام الاتحاد العالمى، ثم الإشارة إلى بعض المذاهب الإسلامية، ماذا عن الخلافة والمذاهب؟
- الخلافة هى نظام لرئاسة الدولة، الدنيا قبل الخلافة عرفت نظمًا كثيرة مثل الإمبراطوريات الكسراوية فى بلاد فارس، والمُلك فى بلاد العرب والعجم، المنطقة الوحيدة التى كانت لا تعرف نظاما للحكم هى الجزيرة العربية، فكانت عبارة عن مجموعة قبائل متناحرة يغزو بعضهم بعضاً، ويقاتل بعضهم بعضاً، وليس لديهم جامعة واحدة أصلاً.
ولما جاء الإسلام حوّل هذه القبائل المتناحرة والمتنافرة إلى أمة واحدة، والأمة تحتاج إلى نمط مختلف، ولا تستطيع تحويل هذه الامة بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبائل متناحرة مرة ثانية، فوجد المسلمون من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن من واجبهم البدء فى تكوين الدولة فى اللحظة، التى توفى فيها الرسول الكريم، وتقديم هذا التكوين حتى على دفنه وغُسله صلى الله عليه وسلم.
وتوجد عدة أقوال عن دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يقول إنه دُفن بعد يوم من وفاته، وآخر يقول بعد يومين أو ثلاثة، وأن هذه المدة ضاعت فى الاتفاق على من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم، ففكرة الخلافة هى استمرار الدولة الإسلامية التى أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول كان نبيًا أسس دولته من خلال ما يوحى إليه من القرآن الكريم ويعلمه للناس، والنبى أقام الدولة الإسلامية منذ هجرته إلى المدينة، أبرم بينه وبين سكان المدينة من غير المسلمين من الأنصار واليهود، وثيقة عهد، وهو ما نسميه الآن الدستور، والعلماء القدماء يسمونه صحيفة المدينة أو وثيقة المدينة.
والوثيقة كانت عبارة عن دستور فيه سلطات الدولة، حيث نص على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رئيس الدولة، وألا يخرج أحد من المدينة إلا بإذنه، وإذا وقع شجار أو خلاف يخاف فساده فإن رده إلى الله ورسوله محمد الكريم، وأن اليهود ينفقون مع المسلمين ما داموا محاربين، فكان يوجد دستور مكون من ٦٦ أو٦٧ مادة نشرته فى كتابى «الإسلام السياسى»، لكن أكرمنى الله بأن وقفت على تحقيق مواد جميع نصوص هذا الدستور فى رسالة ماجستير أشرفت عليها الأستاذة الجليلة الدكتورة عائشة عبدالرحمن، وأعدها باحث مغربى اسمه خليفة المحفوظى.
وكانت مهمة الباحث فى هذه الرسالة أن يوثق نصوص دستور هذه المدينة، فأصبحت هذه النصوص كلها صحيحة طبقاً لمعايير علم الحديث، والوثيقة أُبرمت ونُفذت لمدة ١٠ سنوات، وبعد وفاة الرسول رفض الصحابة هدم هذه الدولة واستمروا فى بنائها، وكلمة الاستمرار هى التى أظهرت الخلافة، وكلمة الخلافة كلمة من أيام الصحابة ليست كلمة نبوية أو قرآنية، طبعاً يوجد حديث: «تكون الخلافة بعدى ثلاثين سنة ثم يكون ملك عضوض»، هذا حديث موجود لكنه لا يشير إلى فكرة الخلافة السياسية، فالخلافة السياسية صنعها الصحابة لكى تستمر الدولة السياسية التى أنشأها الرسول على المثال الذى أدار به الدولة الإسلامية.
الخلافة أحدثت أول شق بين المسلمين، الإمام أبوالحسن الأشعرى له كتاب هائل مشهور بين الناس اسمه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، وتجد بعض الناس يتفلسفون ويقولون «المتأسلمين» بدلا من الإسلاميين، وأن المتأسلمين يريدون السيطرة على السلطة والحكم، وتقرأ كلاما كثيرا فى الجرائد، يعتبرون كلمة الإسلامية والإسلامى كلمة مستحدثة تستحق السخرية، بينما كلمة مقالات الإسلاميين كانت عنوان كتاب لأبى الحسن الأشعرى فى القرن الرابع الهجرى، ويقول فى أول جملة فى الكتاب إن المسلمين اختلفوا بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم، خلافات كره بعضهم بسببها بعضاً، وسبّ بعضهم بعضاً.
وأول خلاف وقع بينهم كان الخلاف فى شأن الإمامة أو الخلافة، لأن المهاجرين قالوا إنهم أولى الناس بالخلافة، لأنهم تركوا ديارهم وكل شىء وراءهم وهاجروا خلف الرسول، والأنصار قالوا نحن عصبة الرسول وأهله الذين أووه ونصروه، وأنهم هم أهل المدينة.
وقال الحُباب بن المنذر، وهو صحابى جليل، وكان له موقف فى غزوة بدر عظيم، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: أمنزل أنزلك الله أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ فقال له الرسول: الحرب والرأى والمكيدة، فقال له: ليس هذا برأى، فقال الرسول: ماذا نفعل؟ فأخبره بالنزول إلى المياه حتى إذا انهزمنا لا نعطش، وإذا هزمناهم إن شئنا سقيناهم أو منعناهم، فوقف هذا الرجل الذكى والعبقرى ليحل الخلاف، فقال نختار أميرين للمؤمنين، أحدهما للمهاجرين والثانى للأنصار. فقال أبوبكر هذا أول الوهن، وانتهت المسألة بخلافة أبى بكر.
والسياسة لا تستقر على حال وأنا كثيراً ما اضحك عندما أسمع دولة عربية إسلامية تقول سياستنا الثابتة المستقرة، فلا يوجد شىء اسمه سياسة ثابتة مستقرة.
تغيرات السياسة التى وقعت على المسلمين جعلت الخلاف يتفاقم بعد وفاة سيدنا عثمان رضى الله عنه، «على» يقول: أنا بويعت فأنا الخليفة بعده، ويقول معاوية بن أبى سفيان: بيعتك لا تصح حتى تسلمنى قتلة عثمان، لأنى قريب عثمان وولى الدم، فيقول على لا أستطيع أن أسلمك لابد أن تدخل فى الطاعة أولا، فرفض معاوية الدخول فى الطاعة، ثم وقعت الخلافات وحرب الجمل ثم واقعة صفين.
ثم استقر الأمر سنة ٤٠ هجرياً عندما تنازل الحسن بن على لمعاوية عن الخلافة، وكان هذا تحقيقاً لنبوءة نبوية عجيبة، قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن: «إن ابنى هذا سيد، وسيجمع الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»، وقد حدث، وسُمى العام الذى جاء بعد تنازل الحسن عن الخلافة بعام «الجماعة»، لأن الدولة الإسلامية أصبحت واحدة، منذ مقتل عثمان والدولة الإسلامية كان يقودها الإمام على، الخليفة الراشد الرابع، والإمام الحسن بن على، الذى أهمله التاريخ، وهو الخليفة الخامس الراشد وليس عمر بن عبدالعزيز.
■ هذه معلومة غير معروفة يا دكتور؟
- نعم، فإنك إذا رتبت الخلفاء بحسب ولايتهم للخلافة فهم كالتالى: أبوبكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، فعلى بن أبى طالب والحسن بن على، الذى تولى الخلافة عامين فأكثر، ثم مرت الدولة الإسلامية بفترة المحن والصراعات، إلى أن تولى عمر بن عبدالعزيز الخليفة السادس للمسلمين.