مينا ساويرس موحِّد القطرين
بقلم فاطمة ناعوت ٧/ ٩/ ٢٠٠٩
لا أدرى أيَّة كوميديا لطيفة فى تشويه التاريخ والحقائق العلمية ومقدسات الوطن وخطوطه الحمراء؟ أىُّ مرحٍ فى أن نُعلِّم النشءَ الجديدَ، الطالعَ أصلاً فى زمنٍ جاهل مُشوَّه، معلوماتٍ مغلوطةً حول ثوابته التاريخية، العظيم منها والموجع؟
أى فنٍّ ساخر يجعلنا نبثُّ فى معارف صغارنا أن السدَّ العالى قد بُنِى من أجل وقف «ريالة» والد شخصية «طارئة» على وعى الشعب المصرى اسمه «سيد أبوحفيظة».
تقول سيرتُه الذاتية، «الكابوس»، إن أباه كان يسيلُ لعابُه، «يُريّل»، فقررتْ مصرُ بناءَ السدِّ العالى من أجل وقف الريالة!
ثم إن العدوانَ الثلاثى على مصرَ، لم يقم بسبب تأميم عبد الناصر قناةَ السويس، ما أغضبَ انجلترا من قطع الطريق على مستعمراتها وتحجيم تربُّحها من القناة التى كانت تديرها قبل التأميم، ولا بسبب إبرام مصرَ اتفاقيةَ أسلحةٍ مع الاتحاد السوفيتىّ، ما أقلق إسرائيلَ وأفزعها، ولا حتى بسبب مناصرة مصرَ الثورةَ الجزائريةَ ضد الاحتلال الفرنسىّ، ما جعل فرنسا تستشيط غضبًا، بل ضربنا العدوانُ الثلاثى فقط من أجل هدم حفل زفاف «علام» على زوجته السيدة «إيلزا» اللذين سوف ينجبان لمصرَ شخصيةً مرموقة هو «السيد أبوحفيظة»!
هل ترون فى هذا التشويه الرخيص لثوابتَ تاريخية، عظيمةٍ مثل السد العالى، ومريرةٍ مثل عدوان ٥٦ الذى راح فيه أجدادُنا شهداءَ، هل ترون فيه كوميديا أو مرحًا أو خفّة ظلٍّ من أى نوع؟
ثم برنامج آخر عنوانه «مسلسلات كوم» يقوم على العبث فيما يعتبره المصرىّ خطًّا أحمر، لا يجوزُ العبثُ معه. يمثّلون هزيمةً كرويةً، يسمونها «النكسة»، فى إشارة إلى نكسة يونيو ٦٧.
ثم يطلُّ على صفحات «اليوم السابع» كاتبُ يعلّمنا العجبَ عبر حوارٍ تخيّليّ بينه وبين مذيعة تليفزيونية. سألتْه عن عجائب الدنيا السبع، فقال إنه يعرف السبع بتاع «جونينة الحيوانات». وعن برج بيزا المائل قال: «أموت وآكل البيزا دى، أنا كنت فاكرها كلمة قبيحة اللى هى ولا مؤاخذة بتتقال على ال... ولا بلاش أفسر».
سألته عن شجرة الدر، فجاوبها بأنه لا يعرف سوى شجرة البانجو! ولما سألته لماذا سُمّى «مينا» موحّد القطرين؟
قال: «الجماعة المسيحيين دول شاطرين ولو حطوا فى دماغهم حاجة بيعملوها، مينا ساويرس ده واد كفاءة بس ربنا تاب عليه وسافر حته اسمها استرانيا وبقى من أقباط المهجر ووعدنى حيبعت لى عشان أبقى من مسلمين المهجر»، (وهنا إشارة غير مريحة لرجل أعمال مصريّ جاد). فأوضحتْ له المذيعةُ أن «مينا» من فراعين مصر، فقال: «الظاهر الجدع مينا ده راجل كويس مش بتقولى موحد يعنى أسلم والحمد لله».
سألته عن سور الصين العظيم فأخبرها أنه لا يعرف إن كان فيه لجنة تقف تحته مثل سور مجرى العيون أم لا! سألته عن أسماء أصابع الإنسان فقال: «واحد نعمل بيه أوكى، وواحد تلعب بيه فى مناخيرك، وواحد مش حينفع اقول بنعمل به ايه، وواحد بنلقّح فيه الدبلة، والصغير ده بتنضف به ودانك!»
ولما سألته ماذا تمثّل مصر بالنسبة له، قال: «مصر معزتها من معزة أشرف أخويا الله يرحمه»!!!
لا أدرى أى ظُرف أو «استظراف» فى مثل هذا الإسفاف وتشويه المعلومة وثوابتنا التاريخية التى لم نعد نملك سواها! إن كان يظنُّ هؤلاء أن ما يكتبونه هو «الأدب الساخر»، فعليهم أولاً مراجعة الكتب النقدية التى تتناول أنواع الأجناس الكتابية، أو قراءة مقالات «أحمد رجب» و«محمد سلماوى» ليتعلموا منهما أن الأدبَ الساخرَ فنٌّ راقٍ، لا يقوم على لَىّ الكلمة وجِناسها وسَجْعها وطِباقِها الساذج، بل يعملُ على خلق حال ساخرة كاملة، ورؤية فنية رفيعة تدحض السيئَ والردىءَ من أجل الوصول بالقارئ إلى المطالبة بالجميل والجيد والجاد.
وأخيرًا، على مصرَ وعلى نشئها الجديد، الذين يشاهدون هذا السَّفه، السلام.
fatma_naoot@hotmail.com
الرئيسية 
