منتدى العدميين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى العدميين العرب

منتدى فلسفي حواري ذو توجه عدمي
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 اسلاميات العقاد ...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالأربعاء أغسطس 26, 2009 5:05 am

فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة، هذه هى هدية العقاد الثمينة لنا، فمن غير المقبول أن يظل جل اهتمامنا بالشكليات.

تعالوا نستعد الماضى الجميل ونؤسس منهجا للعقل والتدين الصحيح فى صحبة مفكرنا العظيم، واحد من نبت الأرض الطيبة، التى لا تكف- رغم نبش البذر وتجريف التربة - عن عطاء الخير ومنح الثمار.


التفكير فريضة إسلامية

من مزايا القرآن مزية واضحة يقل الخلاف فيها بين المسلمين وغير المسلمين، لأنها تثبت من تلاوة الآيات ثبوت الأرقام، ولا تحتاج لمناقشات ومجادلات، هذه المزية هى التنويه بالعقل، والتعويل عليه فى أمر العقيدة.

فلا يذكر العقل فى القرآن الكريم إلا فى مقام التنظيم والتنبيه على أهمية الرجوع إليه، ولا تأتى الإشارة إليه عارضة أو مقتضبة، بل مقصودة لذاتها مؤكدة عليه باللفظ الجازم والدلالة اللافتة، تحث المؤمن على تحكيم عقله وتلوم المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه، لذلك تكررت فى القرآن عبارات مثل «أفلا تعقلون؟، لعلكم تتفكرون، أفلا تبصرون، لعلهم يتذكرون»، تعقيباً على الآيات بشكل لافت للنظر، والآيات التى تبجل العقل لا تعد ولا تحصى، إذ هى القرآن كله تقريباً.

منها على سبيل المثال لا الحصر: «وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون / وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير / كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون / يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خير كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب / ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض / أو لم يتفكروا فى أنفسهم؟ / قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ / الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم».

والإسلام دعوة حارة إلى العلم فى معناه الكبير، لذلك يلفت القرآن أنظارنا إلى العلوم الكونية ويربطها بمملكة الروح: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت / إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».

وعلى هذا يتناسق جوهر الإسلام ووصاياه، وتأتى منه الوصايا المتكررة بالعقل والتمييز. وحين يكون العمل بالعقل أمراً من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله لأى سبب خوفاً أو اقتداء أو خضوعاً لمخلوق مثله.


_______________________________________________


الفلسفة القرآنية

«الفلسفة القرآنية»، الكتاب الذى وضعه العقاد لإثبات أن العقيدة الدينية لا تعارض الفلسفة فى جوهرها، ولا تحول بينها وبين البحث فى أغراض الفكر والضمير.

من حسن الحظ أنه بدأ الكتاب بذلك الموضوع الذى شهد مداً ملحوظاً ومبالغة شديدة فى السنوات الأخيرة، وهو موضوع «الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم»، كان حاسماً فى اعتقاده أن العلوم الإنسانية تتجدد مع الزمن، ولا يندر أن تتزعزع بعد ثبوت، فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلم كلما ظهرت مسألة لجيل من البشر، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم، وقد أخطأ البعض حينما أنكروا دوران الأرض واستدارتها اعتماداً على ما فهموه من ألفاظ بعض الآيات، وأخطأ ـ بالقدر نفسه ـ آخرون فسروا السموات السبع بالسيارات السبع فى المنظومة الشمسية، ثم ظهر أنها عشر، وهؤلاء الذين حاولوا التوفيق بين النظرية السديمية وآيات من القرآن الكريم «أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما».

فهى لا تعدو أن تكون فرضاً من الفروض، يقبل النقص والزيادة، والنقض والتفنيد، فلا حاجة بالقرآن إلى موافقة النظريات المستحدثة كلما ظهر منها فرض جديد، وخليق بأمثال هؤلاء أن يحسبوا من الصديق الجاهل، لأنهم يسيئون من حيث يقدرون الإحسان.

لا حاجة بالقرآن إلى مثل هذا الادعاء، لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة ـ فى مجال العلم ـ أن يحث على التفكير، ولا يشل حركة العقل أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم. وكل هذا مكفول للمسلم فى كتابه كما لم يكفل قط فى كتب الأديان، فالإسلام يجعل التفكير السليم والنظر الصحيح إلى آيات الله وسيلة من وسائل الإيمان: «إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب»، «أولم يتفكروا فى أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق».

وهو يعظ المخالفين عظة واحدة، وهى التفكير الذى يغنى عن جميع العظات: «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا»، «كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون».

ولا يرتفع المسلم بفضيلة كما يرتفع بفضيلة العلم: «يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات»، «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون». ولا يسأل المسلم ربه نعمة أهم وألزم من العلم: «وقل ربى زدنى علما».

فالقرآن يوافق العلوم الطبيعية بهذا المعنى، وفضيلته الكبرى أنه يفتح للمسلمين أبواب المعرفة ويحثهم على التقدم فيها، وقبول كل مستحدث من العلوم على تقدم الزمن، لا أن يصدهم عن طلب العلم بزعم أنهم حاصلون على جميع العلوم!

________________________________________________


عبقرية خالد

من تمام المنهج العقلى للعقاد عدم الاستهانة بالأسباب والمسببات، فالفكرة الشائعة عند المتحمسين أنه يكفى أن تكون مؤمنًا ليتحقق النصر على الأعداء بصرف النظر عن موازين القوة، تحت مقدمة صحيحة مفادها، أن الله تعالى خالق الأسباب، وقادر على إبطالها متى شاء، فإذا التزمنا فإن نصرنا مؤكد، وقنابل الأعداء النووية - مثلا - لن تضرنا، ويضربون مثالا بحروب الفتوح الإسلامية فى عصور الخلافة الراشدة.

المدهش أن العقاد يفسر انتصار المسلمين على الروم والفرس بطريقة مختلفة عما اعتدنا سماعه وقراءته فى كتب التاريخ، فيقول إن العقيدة قوة لا غنى عنها بقوة أخرى لمن يفقدها، لكنها وحدها لا تغنى عن الخبرة والاستعداد، ولا تفسر لنا اختلاف النجاح باختلاف الخطط والقواد، إذ كان المسلمون فى عقيدتهم الراسخة فى غزوة حنين أوشكوا أن ينهزموا لاعتدادهم بكثرتهم وقلة مبالاتهم بعدوهم، وأوشكت عاقبة الاستخفاف أن تصيب المسلمين كما أصابت الفرس والروم فيما بعد.

والصورة الشائعة فى خيال أكثر القراء عن البادية، أن حروب الصحراء لم تكن إلا مشاجرات بالسيوف والرماح، لا ترجع إلى نظام.. هى صورة مضللة. فمن الخطأ أولاً أن تستخف بالرياضة التى يراض عليها الجيل بعد الجيل، فيحصل منها «ملكة القتال التى لا تحصل لأبناء المدن، فيتعودون الصبر على الفرار ويملكون الجأش عند الإدبار.

والعرب عرفوا فى حروبهم تسيير الجيوش بعشرات الألوف كما حدث فى واقعة «ذى قار»، التى تغلب فيها العرب على الدولة الفارسية. والخلاصة أن البادية العربية سواء فى عصور الجاهلية أو صدر الإسلام لم تكن من الجهل بفنون الحرب بتلك الحالة التى توهمها معظم المؤرخين.

والأسباب التى قضت على الفرس والروم بالهزيمة - كائنة ما كانت - ليست هى الأسباب التى قضت للعرب بقيام دولة وانتشار عقيدة، لأن استحقاق أناس للزوال لا ينشئ لغيرهم حق الظهور والبقاء، وقد كان انتصار المسلمين انتصار عقيدة لا ريب، لكنها وحدها لا تكفى لتعليل النصر لولا أن الذين انتصروا بالعقيدة كانوا رجالاً أولى خبرة وقدرة، يعرفون كيف يتغلبون بها على أعدائها، ولذلك أفلح ناس فى حين أخفق ناس، وانهزم عكرمة وشرحبيل حيث انتصر خالد.

كانت حركة العرب حركة إنشاء ونماء، فى حين كانت حركة الروم والفرس حركة اختلال وتقويض، يقول شراح الحضارات إن الحضارات تبتدئ بمعنى روحى قليل المظهر ثم تنتهى إلى مظهر ضخم يتراخى به الزمن حتى لا تبقى فيه بقية من المعانى الروحية، وهذه هى الحالة التى كانت عليها دولتا الفرس والروم بعد اصطدامها بالدعوة الإسلامية فى نهضتها الأولى.

درس قيمّ يعطيه العقاد لنا لنأخذ بأسباب الدنيا ونبتعد عن الحماسة المؤذية التى لا سند لها من نصوص دينية أو عقل رشيد.


عدل سابقا من قبل mumbuzia في الأربعاء أغسطس 26, 2009 5:09 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالأربعاء أغسطس 26, 2009 5:06 am

الديـمقراطية فى الإسلام

هذا مقال حزين يذكرنا بواقعنا المرير الذى نتخبط فى محاولة تغييره، الديمقراطية: الفراشة المراوغة التى لا نستطيع الإمساك بها والأمل الذى أنهكنا تمنيه.

وكان العقاد يحتاط - مقدما - من حساسية بعض المتدينين صوب مصطلح مستورد من الخارج، فيقول إن العبرة بالمعنى والمهم هو الجوهر، والجوهر المقصود هنا هو حرية المحكومين فى اختيار حكومتهم سواء سميت هذا الديمقراطية أو غيرها - وشريعة الإسلام كانت الأسبق إلى تقرير الديمقراطية الإنسانية التى يكسبها الإنسان لأنها حق من حقوقه وليس لهدف من أهداف السياسة، وقامت منذ البداية على ثلاثة مبادئ: المسؤولية الفردية، وتساوى الحقوق بين الناس، ووجوب الشورى على ولاة الأمور.

المسؤولية الفردية مقررة بوضوح فى القرآن الكريم، فلا يحاسب إنسان بذنب إنسان آخر «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، ولا يحاسب بذنب آبائه وأجداده «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون»، ولا يحاسب الإنسان إلا بعمله «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»».

أما عن تساوى الحقوق بين الناس، فالقرآن صريح فى مساواة النسب «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ولا تغنى الأنساب شيئًا «فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون»، وفى الأحاديث النبوية: «يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى، لا أغنى عنك من الله شيئًا»، فليس فى الإسلام دعوة مقصورة على جنس أو عصب، بل كانت العصبية أبغض شىء إلى صاحب الدعوة. أما عن وجوب الشورى على ولاة الأمور فمذكورة بوضوح: «وأمرهم شورى بينهم»، «وشاورهم فى الأمر».

ديمقراطية إنسانية أجمل ما فيها أنها لم تشرع إجابة لطلب أو خوفا من غضب، بل شرعت وهى تغضب الأقوياء ولم يطلبها الضعفاء، قوامها إله رحمن رحيم، يجرى الكون على سنن، ويحاسب الخلق ببلاغ ونذير، ولا يظلم أحدا، ونبى ليس بالمسيطر ولا بالمتجبر، ولكنه بشير ونذير، وليس له من الأمر شىء، والأمر بينه وبين أمته قائم على المشاورة ومكارم الأخلاق، وإمام يطيع قبل أن يطاع، ويتولى الحكم من أيدى المحكومين، وأمة هى المرجع فى كل سياسة، تدين بها لخالقها ولا فضل فيها لأحد من الناس.

هكذا ينتهى الكتاب: مرافعة بليغة من العقاد الذى يظهر اعتزازه بدينه واقتناعه العقلى بالإسلام فى كل مؤلفاته، لكنه لم يجب عن تساؤلات محرجة: ما الذى تحقق من هذه المبادئ الرفيعة على أرض الواقع؟ ولماذا كان الحاكم يملك سلطة مطلقة؟. ووجد من علماء المسلمين من يعطيه الشرعية - بذريعة الخوف من الفتنة - حتى لو أخذ المال وجلد الظهر، وكأنه لا توجد حلول وسط بين الخروج المسلح والصبر المهين!!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالجمعة أغسطس 28, 2009 4:30 am

حقائق الإسلام وأباطيل خصومه

فى المقالات القادمة سوف نتعرف إلى أسباب جديدة للإيمان بالإسلام لا نحتاج بعدها إلى خوارق ومعجزات، نؤمن بالإسلام لأنه الدين الذى يجعلنا نعتقد بإله هو رب العالمين، لا يحابى ذرية على ذرية، ولا يختص بالنجاة فريقاً دون فريق، ولا يميز أحداً بغير العمل والتقوى، نؤمن بالإسلام لأنه الدين الذى يجعلنا نؤمن بنبى مهمته الهداية، يعلم ما علَّمه الله ولا يعلم الغيب إلا بإذن الله، يخاطب العقول ولا يقسرها على التصديق بالخوارق والأعاجيب، نؤمن بالإسلام لأن عقيدته فى الإنسان أنه مسؤول عن عمله، يؤاخذه الله بذنبه ولا يؤاخذه بذنب غيره، وينجيه بتوبته، ولا ينجيه بكفارة لم ينهض بثوابها، نؤمن بالإسلام لأنه عهد بين الله وخلقه لا حاجة فيه إلى كاهن ولا وسيط.

لا يكل العقاد ولا يمل من تذكيرنا بجواهرنا الحقيقية حينما قدم لنا أسباب اقتناعه بالإسلام فى منطق عقلى صرف، ومؤلفات احترمت العقل ولم تتلاعب بالوجدان، كان منهجه العقلى يقوم على أسس منطقية قابلة للنقل والتكرار، التفكير العلمى فى أبهى صوره كما يجب أن يكون.

فى كتابه البديع «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» يؤكد العقاد أن العقيدة فى الإله هى ذروة سنام العقيدة والشىء المهم الذى تتفاضل به الأديان، وفى الوقت الذى يشتد فيه اهتمام المخلصين بقضايا فرعية يؤكد العقاد ضرورة الاهتمام بالأهداف الكبرى للعقيدة، تعريف الناس برب الناس بيان مهمة الرسول، تأكيد المسؤولية الفردية وإتمام مكارم الأخلاق.

يستعرض العقاد بحث الإنسان البدائى المحموم عن خالقه عز وجل، وعبادة الطوطم والأسلاف والأجرام السماوية ومحاولة الإنسان ـ بمعزل عن الوحى السماوى ـ تفسير إشكالية الموت والحياة والتماس مبرر لوجوده وحام له أمام قوى الطبيعة الكاسحة والغيب المرهوب، ظهرت دعوة إخناتون التى لم تخل عقيدته من لمسة وثنية ممثلة فى عبادة الشمس (حتى لو كانت رمزاً للخالق)، من بعده ظهر أرسطو، وبرغم أنه عقل فريد يعرف قيمته كل من خاض بحار الفلسفة، فإن تصوره عن كمال الإله كان لا يقارن بالصورة التى رسمها الإسلام للخالق العظيم، فهو عنده كمال مطلق لا يعمل ولا يريد ولا يهتم بالخلق ـ باختصار كمال مطلق يوشك أن يكون والعدم سواء.

أما صورة الإله فى «العهد القديم» فهى صورة إله يحب رائحة الشواء ويتمشى فى ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها ويصارع عباده ويصرعونه، إنه «يهوا»، إله شعب إسرائيل الخاص بالقبيلة الذى يعتبر الكفر به ضرباً من خيانة الرعية لملكها، وما عبدوه إلا لاعتقادهم أنه قادر على حمايتهم، حيث عجزت الآلهة الأخرى، باختصار هى عقيدة شعب مختار بين الشعوب فى إله مختار بين الآلهة، وليس فى العقيدة إيمان بالتوحيد ولا هى مما تتسع لديانة إنسانية أو يعتبرها الباحث المنصف مقدمة للإيمان بالإله الذى يدعو إليه الإسلام .

_______________________________________________

حقائق الإسلام وأباطيل خصومه (2)

الإنسان فى القرآن الكريم مخلوق مكلف لا يعرف الخطيئة الموروثة، ولا يحاسب بذنب أبيه ولا تزر وازرة وزر أخرى. ارتفاعه وهبوطه منوطان بالتكليف وقوامه الحرية، فهو ـ بأمانة التكليف ـ قابل للصعود إلى قمة الخليقة أو الهبوط إلى أسفل سافلين. بهذه الأمانة ارتفع فوق مكانة الملائكة، لأنه قادر على الخير والشر، فله فضل على من يصنع الخير لأنه لا يقدر على غيره ولا يعرف سواه. وربما هبط إلى دون منزلة الشياطين. ولايزال فى الحالتين قابلاً للتوبة بعد أن تكرم الله بفتح باب التوبة مهما أذنب وأخطأ.

ويستعرض العقاد طبيعة الشيطان كما وردت فى القرآن الكريم. لقد عرف الإنسان الشر والخير منذ قديم الأزل وكانت عقيدة الهند أن المادة كلها شر فلا خلاص منه إلا بالخلاص من الجسد، بينما كانت عقيدة مجوس فارس أن الشر من عند إله الظلام والخير من عند إله النور. مصر الفرعونية تصورت أن الإله سيت شرير مع خصومه خير مع أتباعه.

ولم تتميز الديانة العبرانية بفاصل حاسم وكانوا ينسبون العمل الواحد إلى يهوا مرة وإلى الشيطان مرة فجاء فى كتاب صموئيل الثانى أن الرب حينما غضب على إسرائيل أمر داود بإخصائهم، بينما جاء فى كتاب الأيام أن الشيطان هو الذى وسوس لداود.

وانفصلت الصفات الإلهية والشيطانية بعد ظهور المسيحية وأصبح للإله عمل وللشيطان عمل ولكنه عمل جسيم لأنه سمى فى الأناجيل باسم رئيس هذا العالم وإله هذا الدهر، فقد كانت له مملكة الدنيا ولله ملكوت السموات، وبلغ من نفوذه سقوط الجنس البشرى بعد الخطيئة ووجوب الكفارة بالفداء.

فى الإسلام الشيطان هو قوة الشر ولكنها قوة بلا سلطان على ضمير الإنسان ما لم يستسلم لها بهواه وضعفه «إن عبادى ليس لك عليهم سلطان» و«إن كيد الشيطان كان ضعيفاً»، «وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى».

والشيطان لا يعرف الغيب «لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين» وبهذه العقيدة الوجدانية الفكرية أقام الإسلام عرش الضمير.من مفاخر الإسلام أن المسلم حين يمارس عباداته لا يحتاج لوسيط أو كهانة. يصلى حيث أدركه موعد الصلاة ولا تتقيد صلاته الجامعة بمراسم كهانة ويؤمه فى هذه الصلاة من هو أهل للإمامة. ويصوم ويفطر ويزكى ويحج إلى بيت لا سلطان فيه ولا حق عنده لأحد.

وذلك لينبه ضمير الإنسان إلى وجوده الروحى إلى جانب وجوده الجسدى الزائل. يصلى مستقبلاً القبلة فى الليل والنهار واقفاً بين يدى الله، مستهدياً إياه فى عمله، ومتذكراً حق الروح فى صيامه، ومتذكراً نصيب الإنسانية فى زكاته، ومعانقاً إياها فى فريضة الحج، التى تتمثل فيها الأخوة الإنسانية كأنها صلة الرحم مع البشرية بأسرها.


عدل سابقا من قبل mumbuzia في الأحد أغسطس 30, 2009 5:03 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالأحد أغسطس 30, 2009 5:02 am

حقائق الإسلام وأباطيل خصومه (٣)


الإنسان فى القرآن الكريم مخلوق مكلف لا يعرف الخطيئة الموروثة، ولا يحاسب بذنب أبيه ولا تزر وازرة وزر أخرى. ارتفاعه وهبوطه منوطان بالتكليف وقوامه الحرية، فهو ـ بأمانة التكليف ـ قابل للصعود إلى قمة الخليقة أو الهبوط إلى أسفل سافلين.

بهذه الأمانة ارتفع فوق مكانة الملائكة، لأنه قادر على الخير والشر، فله فضل على من يصنع الخير لأنه لا يقدر على غيره ولا يعرف سواه. وربما هبط إلى دون منزلة الشياطين. ولايزال فى الحالتين قابل للتوبة بعد أن تكرم الله بفتح باب التوبة مهما أذنب وأخطأ.

ويستعرض العقاد طبيعة الشيطان كما وردت فى القرآن الكريم. لقد عرف الإنسان الشر والخير منذ قديم الأزل وكانت عقيدة الهند أن المادة كلها شر فلا خلاص منه إلا بالخلاص من الجسد، بينما كانت عقيدة مجوس فارس أن الشر من عند إله الظلام والخير من عند إله النور. مصر الفرعونية تصورت أن الإله سيت شرير مع خصومه خير مع أتباعه.

ولم تتميز الديانة العبرانية بفاصل حاسم وكانوا ينسبون العمل الواحد إلى يهوا مرة وإلى الشيطان مرة فجاء فى كتاب صموئيل الثانى أن الرب حينما غضب على إسرائيل أمر داود بإخصائهم، بينما جاء فى كتاب الأيام أن الشيطان هو الذى وسوس لداود.

وانفصلت الصفات الإلهية والشيطانية بعد ظهور المسيحية وأصبح للإله عمل وللشيطان عمل ولكنه عمل جسيم لأنه سمى فى الأناجيل باسم رئيس هذا العالم وإله هذا الدهر، فقد كانت له مملكة الدنيا ولله ملكوت السموات، وبلغ من نفوذه سقوط الجنس البشرى بعد الخطيئة ووجوب الكفارة بالفداء.

فى الإسلام الشيطان هو قوة الشر ولكنها قوة بلا سلطان على ضمير الإنسان ما لم يستسلم لها بهواه وضعفه «إن عبادى ليس لك عليهم سلطان» و«إن كيد الشيطان كان ضعيفاً»، «وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى». والشيطان لا يعرف الغيب «لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين» وبهذه العقيدة الوجدانية الفكرية أقام الإسلام عرش الضمير.

من مفاخر الإسلام أن المسلم حين يمارس عباداته لا يحتاج لوسيط أو كهانة. يصلى حيث أدركه موعد الصلاة ولا تتقيد صلاته الجامعة بمراسم كهانة ويؤمه فى هذه الصلاة من هو أهل للإمامة. ويصوم ويفطر ويزكى ويحج إلى بيت لا سلطان فيه ولا حق عنده لأحد.

وذلك لينبه ضمير الإنسان إلى وجوده الروحى إلى جانب وجوده الجسدى الزائل. يصلى مستقبلاً القبلة فى الليل والنهار واقفاً بين يدى الله، مستهدياً إياه فى عمله، ومتذكراً حق الروح فى صيامه، ومتذكراً نصيب الإنسانية فى زكاته، ومعانقاً إياها فى فريضة الحج، التى تتمثل فيها الأخوة الإنسانية كأنها صلة الرحم مع البشرية بأسرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 6:22 pm

إسلاميات العقاد.. حقائق الإسلام وأباطيل خصومه «٤»


من الأوهام الشائعة أن الدين الإسلامى هو الدين الكتابى الوحيد الذى أباح تعدد الزوجات، فتعدد الزوجات لم يحرّم فى كتاب من كتب الأديان الثلاثة، وكان عملاً مشروعاً عند أنبياء بنى إسرائيل فتزوجوا أكثر من واحدة وجمعوا بين عشرات الزوجات والجوارى، الذى حدث فى القرن الأول للمسيحية أن الآباء كانوا يستحسنون من رجل الدين أن يقنع بزوجة واحدة - والأفضل ألا يتزوج البتة - باعتبار الزواج الواحد اكتفاء بأقل الشرور، إذ كانت المرأة عندهم شراً محضاً، وحبلاً من حبال الشيطان. فهو لم يحرم التعدد - حين حرمه - إكباراً للمرأة وتنزيها لها عن قبول المشاركة فى زوجها، بل لأنها شر يكتفى منه بأقل ما يستطاع.

أباحت شريعة الإسلام تعدد الزوجات، ولم تفرضه كما يتبادر إلى أذهان الغربيين وإنما أباحته مع ضمان العدل بين النساء، والمسوغات لذلك كثيرة بعضها يرجع لخصائص الطبيعة، أو ضرورات المعيشة الاجتماعية، وربما عقمت المرأة أو أصيبت بمرض عضال، أو ذهبت عنها جميع المغريات الحسية والنفسية، فيضيرها الطلاق فى هذه الحالة أكثر من المشاركة فى زوجها.

ومن المحقق أن الإحساس الذى يتولد من تعدد الزوجات لا ترضاه النساء، ولكن أين هو المجتمع الذى يتكفل لكل إنسان بالرضا ويعفيه مما يخالف هواه!! فالمرأة - كالرجل - تلاقى فى حياتها كثيراً من المنغصات كمهانة العمل، أو الدمامة، أو الغيرة البائسة، وليس فى وسع الشرائع أن تعفى النساء - أو الرجال - من هذا الشعور البائس. ولا مناص - للمرأة والرجل على السواء - من قبول ما لا يسهل قبوله.

ومما لا شك فيه أن اتفاق الزوجين على الوفاء والعشرة الدائمة كمال روحانى مفضل على العلاقة بين رجل واحد وعدة زوجات، ولكن الكمال الروحانى لا يفرض بقوة القانون، هذه حالات يتمناها الناس ويحلمون بها، ولكن الشرائع لا توضع للأمانى والأحلام، وهكذا صنعت شريعة الإسلام، فاعترفت بأن الزوجة الواحدة أدنى إلى العدل والإحسان، وأباحت تعدد الزوجات لأنه حالة لابد من حسبانها فى الشرائع الاجتماعية، وإقامة الشرائع على إنكار الواقع نقض للشريعة من الأساس، لأن تحريم ما دون الكمال يوقعنا فى مغالطة أن الناس جميعاً يستطيعون العيش على سنة الكمال.

فإذا حدث التعدد اشترط العدل الذى نبه الرجال مقدماً إلى صعوبته: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة»، «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم». واشترط على الأزواج القدرة على تكاليف الحياة الزوجية والتسوية فى السكن والرزق بين الزوجات: «أسكنوهن من حيث سكنتم» و«وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف».

والأهم من سلطان التشريع أنه لا يجوز إكراهها ولا يصح الزواج إذا بنى على الإكراه. فلا حرج على المرأة فى تشريع تعدد الزوجات متى كان الرأى فيه موكولاً إلى مشيئتها تقبل منه ما لا ترى فيه غضاضة عليها أو ترى أنه ضرورة أخف لديها من ضرورات تأباها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 6:33 pm

إسلاميات العقاد.. حقائق الإسلام وأباطيل خصومه (٥)

٢٠٠٩
شرع الإسلام العتق ولم يشرع الرق، إذ كان الرق مشروعاً قبل الإسلام فى القوانين الوضعية والدينية بجميع أنواعه: فى الحروب وغارات القبائل والبيع والشراء، وكانت اليهودية تبيحه ونشأت المسيحية وهو مباح فلم تحّرمه ولم تنظر إلى تحريمه فى المستقبل، وأمر بولس الرسول العبيد بطاعة سادتهم، كما يطيعون السيد المسيح، فقال فى رسالته إلى أهل أفسس: أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة فى بساطة قلوبكم كما للمسيح، وأوصى الرسول بطرس بمثل هذه الوصية.

وشرعته الحضارة اليونانية فذهب أرسطو إلى أن فريقاً من الناس مخلوقون للعبودية، وأفلاطون يقضى فى جمهوريته الفاضلة بحرمان العبيد من حق المواطنة وإجبارهم على الخضوع لسادتهم.

وانقضى على العالم عصور وهذا النظام شائع فى أرجائه حتى جاء الإسلام وهو حالة لا يستغربها أحد ولا يفكر أحد فى تغييرها، لكن الإسلام لم يتركها أو يؤجلها رغم أنهم كانوا أهون شأناً من أن يحفل بهم أحد، ولم تحدث بسببهم مشكلة تجعل ولاة الأمر ينظرون فى حلها بما يرضى العبيد.

جاء الإسلام فحرم الرق جميعاً ما له علاقة بالحروب، وحتى فى حالة الحرب لم يجعل الرق ضرورة لازمة للأسرى فجعل المن أفضل الخيارين (فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها»، وحث المسلمين على قبول الفدية من الأسير، وجعل العتق كفارة عن كثير من الذنوب كالقتل الخطأ والحنث باليمين ومخالفة قسم الظهار، وجعل اقتحام العقبة فك رقبة،

كما كثرت وصايا الرسول بالأرقاء وكان آخر وصاياه قبل موته «الصلاة وما ملكت أيمانكم»، ونهى أن يقول أحد عبدى وأمتى، وإنما يقول فتاى وفتاتى كما يذكر أبناءه، وكان قدوة فى معاملة الرقيق فتورع عن تأديبهم، وقال لوصيفة أرسلها فأبطأت عن الطريق: «لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك».

والذى أباحه الإسلام من الرق مباح حتى الآن فى أمم الحضارة التى تعاهدت على منع الرقيق منذ القرن الثامن عشر، لأنها اتفقت على معاهدات تبيح الأسر واستبقاء الأسرى إلى أن يتم تبادل الأسرى أو الفداء، وهو نفس ما أباحه الإسلام من الرق أو الأسر على التعبير الصحيح، غاية الفرق أن الدول اليوم تبادل الأسرى أو تفتديهم ولم تكن تشغل نفسها فى الماضى بهذا الواجب نحو رعاياها المأسورين، ولو بقيت الدول العصرية على خطة دول القرن السادس لكانت حالة الأسرى اليوم تشبه حالهم قبل أربعة عشر قرناً فى حقوق العمل والحرية ولظل كل أسير فى موطن أسره، رقيقاً مسخراً محروماً من حقوق المواطنة.

سبق الإسلام الشريعة الدولية بأكثر من ألف عام حين فرض هذا الواجب على الدولة فجعله من مصارف الزكاة «وفى الرقاب»، فإذا كانت تعاليم الإسلام قد خولفت بعد ذلك فهذا ذنب المسلمين لا الإسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالأربعاء سبتمبر 02, 2009 4:40 pm

عبقرية محمد (١)



كانت النبوة تختلط مع السحر والكهانة، وتقوم على الغرائب والأعاجيب ونبوءة التنجيم والقدرة على تسخير نواميس الطبيعة، وقد عرفت ديانات العبريين نبوءات السحر والكهانة والتنجيم، كما عرفتها الشعوب البدائية، فكانوا يقصدون صموئيل ليدلهم على مكان الماشية الضائعة وينقدونه أجراً على ردها، وكانوا يعولون على النبى يعقوب عليه السلام فى التنجيم، ووجب على النبى فى عرفهم أن يكون مستعداً بكراماته ومعجزاته فى كل وقت كلما أريدت منه، بل وصل الأمر إلى ما يشبه مباريات الرياضة بين فريقين متنافسين، وقد ثبت لهم غلبة أنبياء «يهوا» على أنبياء «بعل» على إثر مباراة من هذا القبيل فى التنبؤ والإنذار بالأخطار.

ثم جاء محمد، رجل ليس بساحر ولا بكاهن ولكن إنسان كسائر الناس، لا يعلم الغيب، لا يملك خزائن الأرض «قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلىّ»، ولا يستطيع دفع السوء عن نفسه، فضلاً عن قومه «قل لا أملك لنفسى نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله»، فالأمر كله لله عز وجل «ليس لك من الأمر شىء».

رجل لا يعرف صناعة الخوارق والمعجزات فيقول لمن يطالبه بها «سبحان ربى، هل كنت إلا بشراً رسولاً؟» (الإسراء: ٩٣) وحينما أتته المعجزة طائعة بكسوف الشمس وقت دفن ابنه إبراهيم وتهامس المسلمون أنها كسفت حزناً عليه لم ينسه الحزن أمانة الهداية للمؤمنين فبادرهم بقوله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا حياته.

جاء محمد لأن العالم يحتاجه، كان عالماً متداعياً قد شارف على النهاية، فقد الطمأنينة كما فقد النظام، بيزنطة خرجت من الدين إلى الجدل، وفارس تعبد النار، والعرب يعبدون الأوثان ويفتكون بالضعيف، عالم يتوق إلى الخير والجمال.

فى صميم قريش، ولد محمد يتيماً بين رحماء، عريق النسب، قليل المال، أعدته فطرته للرسالة العالمية، صبوحاً وسيماً، دمثاً مألوفاً، جامعاً للرقة والمحبة، والصدق والأمانة، عطوفاً ودوداً، محباً للناس، باقياً على المودة، يلقى مرضعته ـ وقد جاوز الخمسين ـ فيقول: أمى.. أمى، ويعطيها من الشاة والإبل ما يغنيها فى السنة الجدباء، يواسى طفلاً فى موت طائر يلهو به، ويوصى المسلمين بالدواب: «دخلت امرأة النار فى هرة حبستها، ودخلت بغى الجنة فى كلب سقته».

عاطفة إنسانية شملت القريب والبعيد، إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه، وإذا تناول يده لا ينزعها، وإذا قدم من سفر بدأ بملاعبة الصبيان، أشد حياء من العذراء من خدرها، وأصبر الناس على أقذار الناس. وفوق ذلك أمانة يثق بها العدو قبل الصديق، يودعونه الأمانات وهم يناصبونه العداء.

قالت الدنيا: أحتاج محمداً، وقالت الآخرة: أحتاج محمداً، وليس بعد كلمتى الدنيا والآخرة مجال لقائل!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالسبت سبتمبر 05, 2009 7:39 am

إسلاميات العقاد .. عبقرية محمد «٢»


السيف والنساء: فريتان طالما استخدمهما أعداء الإسلام للتعتيم على نموذج البطولة النبوية والكمال المحمدى. فى احتفال الأصدقاء بالمولد النبوى تطاول فتى متحذلق على مقام الرسول زاعما أنها بطولة سيف ونساء، ارتفعت لهجة النقاش ثم هدأت بخروج الفتى، بعدها قال أحد الأدباء للعقاد: «لماذا لا تضع كتابا عن النبى محمد على النمط الحديث؟»، قال: «أفعل إن شاء الله، وأرجو أن يتم هذا فى وقت قريب».

«عبقرية محمد»، الكتاب الذى وضعه العقاد بعد ثلاثين عاما من هذا الحوار الصاخب، كان بحاجة لهذا العدد من السنين ليضيف قراءات ويراكم خبرات ويستحق أن يكتب عن النبى الكريم، كتبه تقديرا لعظمة «الإنسان»، محمد بالمقدار الذى يتساوى فى إقراره المسلمون وغير المسلمين، عظيم ليس لأنه نبى الإسلام فحسب، بل لأنه على خلق عظيم، بذلك يحبه غير المسلم مرة، ويحبه المسلم مرتين.

إنسان عظيم، وبطل عظيم، ونبى نقل قومه من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، فنقل العالم بالتبعية من الفوضى إلى النظام، ومن المهانة الحيوانية إلى الكرامة الإنسانية.

نفسه مطبوعة على الصداقة والسماحة، ما ثأر من أحد لأنه أساء إليه قط، عفا عن رجل هم بقتله وهو نائم فسقط منه السيف وهو كاره، وما حارب أحد قط كان فى وسعه أن يسالمه، عطوفا على أعدائه فضلا عن أصفيائه، وحتى مع رأس النفاق عبدالله بن سلول ترفق به فى حياته، وصلى عليه عند مماته، كفنه بقميصه ووقف على قبره مستغفرا له.

وبرغم ذلك يزعمون أنها بطولة سيف! الإسلام لم يحتكم إلى السيف إلا فى الأحوال التى أجمعت شرائع الدنيا على تحكيم السيف فيها، ولم يوجب القتال إلا حيث سوغته جميع الشرائع، ماذا تصنع الدولة التى تحارب سوى الدفع بالسيف؟ يذكرون العقوبة ولا يذكر الذنب!، ماذا يصنع محمد بمن قتلوا أربعين رسولا أرسلهم بعد إلحاح منهم فقتلوهم جميعا بلا رحمة؟، وهل يصلح لهؤلاء إلا السيف؟!

الإسلام كان المعتدى عليه منذ البداية، والألوف الذين دخلوه لم يسلموا خوفا من نبى أعزل!، بل رغما عن سيوف القوم، خرجوا من ديارهم تاركين المال والأهل، وحينما جاءهم الأمر بالقتال قاتلوا من قاتلهم ولم يزيدوا «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين».

فليكن واضحا أنه لا يعيب الإسلام «ولا أى شريعة» أن يحارب بالسيف سلطة تقف فى طريقه، وتحول بينه، وبين إسماع المستعدين له، إنما العيب أن يحارب بالسيف فكرة تواجه بالبرهان، فالسلطة لاتزال إلا بالسلطة، والقوة لا غنى عن إخضاعها بالقوة، وقد أكد تاريخ البشرية الطويلة أن السلطة لا غنى عنها لإنجاز وعود المصلحين. «يتبع»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالسبت سبتمبر 05, 2009 9:45 am

إسلاميات العقاد.. عبقرية محمد «٣»


وافتروا عليه أيضاً فى النساء، وكأن تعدد زوجاته ينافى شمائل النبوة، متناسين أن جميع أنبياء العهد القديم - الذين يؤمنون بهم - عددوا الزوجات.

يتجاهلون تلك الحقيقة الواضحة التى يدركها أى رجل محقق - مسلماً كان أو غير مسلم - حين يبحث فى تعدد زوجات الرسول: الاستسلام للشهوة آخر ما يمكن أن يقال عن رجل كمحمد، لم يله فى شبابه كعادة الفتيان، وتزوج من امرأة تكبره، فظل معها وحدها خمسة وعشرين عاماً، ما له من زوجة سواها، وحينما ماتت سمى هذا العام «عام الحزن» من فرط ما افتقدها. الرجل الذى ظل وفياً لذكرى زوجته العجوز، يفضلها فى قبرها على الصغيرة الناضرة، أيقال عنه إنه مستسلم للشهوات!!

ولو كان مرامه لذات الحس لجمع تسعاً من الأبكار الجميلات فيسرعن إليه فخورات، لكنه لم يتزوج بكراً غير عائشة، بل كانت زوجاته من الثيبات والمطلقات والمسنات والمهاجرات حسب حاجاتهن من الإيواء الشريف واتصال الرحم بينه وبين سادات العرب لمصلحة الدعوة. هذا مع العلم أنه لا يعيب الرجل العظيم أن يحب المرأة ويشعر بمتعتها، فتلك فطرة الرجال كما خلقها الله.

حب المرأة لا معابة فيه، إنما العيب أن يشغله هذا الحب عما يجب الاهتمام به، فهل يمكن أن يقال هذا عن محمد؟! وهل شغلته المرأة عن كبير أو صغير؟! الرجل الذى أوشك أن يطلق نساءه لأنهن طلبن المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها، ولو شاء لأغرقهن فى الذهب والفضة. أيقال عن رجل اختار عيشة الفقراء، وفى وسعه أن يحيا كالملوك إنه استسلم لنزوات الحس؟! أيقال لرجل اختار الكفاف على إرضاء نسائه إنه غلبه حب النساء؟! لكن المشهرين به تعمدوا أن ينسوا طهره وعفافه، وطويه الليالى جائعاً، متعبداً وساجداً، باكياً وضارعاً، وتذكروا فقط عدد زوجاته.

وتلك صورة إنسانية مؤثرة عن محمد الأب الذى قد طال اشتياقه للوليد المأمول، مات كل أبنائه فى حياته عدا فاطمة، وعيّره الشامتون أنه الأبتر لا عقب به. فى تلك الظروف جاءه البشير بحمل مارية القبطية. وولد إبراهيم، ترى ماذا دار بنفسه وهو يتلقى الوليد النفيس، الذى تخير له اسم جده الأعلى إبراهيم، ليكون له نفس الكرامة والامتداد.

وفجأة مات الطفل الصغير، مات الأمل الكبير، ومحمد قد جاوز الستين، أى صدمة فى ختام العمر، ولم يعد فى الحياة ما ينتظر، وإنما يقاس الألم بمبلغ الأمل، وبقدر فرحة الاستقبال يكون حزن الوداع. يقف على قبره ذارف العينين، وحين فرغ من بكائه قال: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضى ربنا. وحين تكسف الشمس لا ينسيه الحزن أمانة الهداية: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته».

أو تخسفان يا أشرف الخلق، ليس فى كبد السماء، وإنما فى أكباد المحزونين. عليك سلام الله أيها الصادق الأمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالسبت سبتمبر 05, 2009 11:36 am

فاطمة الزهراء والفاطميون ..


فاطمة بنت محمد.. أمها خديجة بنت خويلد التى تميزت بحنكة العقل وحنان الأمومة، فبقى محمد، صلى الله عليه وسلم، يذكر لها هذه الأيام حتى ختام حياته، ويتفقد ذكراها أعواماً بعد أعوام. منها ولد للنبى جميع أبنائه عدا إبراهيم، ماتوا جميعاً فى حياته عدا فاطمة.

ترعرعت فاطمة وهى تنعم بالحنان من قلبين كبيرين، حنان جاد رصين، يشملها به أب مات أبناؤه، ولا عزاء له غير عبء النبوة الذى تنوء به الجبال، وتشملها به أم جاوزت الأربعين، وبقيت لها الابنة الصغيرة بعد فراق الذرية بالموت، أو بالزواج والانتقال، فكان الحنان الذى يعلّم الوقار، ولا يُعلّم الخفة والانطلاق، منطوية على نفسها، لا تعرض لشىء غير شأنها وشأن بيتها، ولم تتعود أن تسأل عما لا يعنيها، سمعت القرآن الكريم من أبيها وزوجها، ووعت أحكام فرائضه.

ولدت قبل البعثة المحمدية، وتزوجت فى الثامنة عشرة من ابن عمها على بن أبى طالب، كان غائباً فى حاجة للرسول، فلما أقبل تبسم له النبى، وقال: يا على إن الله أمرنى أن أزوجك فاطمة، فخرّ على ساجداً لله، فلما رفع رأسه قال الرسول: بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. جهزت فاطمة وما لها من جهاز غير سرير ووسادة حشوها ليف وإناء وسقاء ومنخل وقدح ورحاءين وجرتين.

عاشت فاطمة فى كنف الحنان الأبوى والنور المحمدى، يأتى إلى بابها كل صباح فيأخذ بعضادتى الباب، ويقول: السلام عليكم أهل البيت، الصلاة، ثم يتلو: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً». وإذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يثنى بفاطمة، ثم يأتى بيوت نسائه.

فاطمة الزهراء، نحيلة يمازجها الشحوب، تشكو حيناً بعد حين، فيعودها النبى مواسياً، زارها يوماً وهى مريضة، فقالت له: إنى وجعة، وإنه ليزيدنى أنى مالى طعام آكله، فبكى الرسول وقال: يا بنية، أما يرضيك أنك سيدة نساء العالمين!

وزارها يوماً وهى تطحن بالرحى، وعليها كساء من وبر الإبل، فبكى وقال لها: «تجرعى يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة». ولم يكن الرسول يضن على فاطمة لو كان معه مال، ولكنه شظف العيش الذى كان يعمهم جميعاً، وجعله يخير نساءه بين التسريح لينعمن بالدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما هو صابر عليه.

يبكى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه يرى أحب الناس إليه وأقربهم منه جائعة مرهقة، ثم لا يملك أن يشبعها ويعفيها من عنائها، وهو يملك كل شىء فى الجزيرة العربية، ثم يسأل السائلون عن برهان نبوته!

إن لم يكن هذا برهان النبوة، فبرهان أى شىء يكون؟!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالأحد سبتمبر 06, 2009 8:52 am

عبقرية عمر ..


فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة.

«عبقرية عمر»، الكتاب الذى ألفه العقاد فى أحوال البأس والخطر أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم ذلك عاش أروع أيامه فى صحبة الفاروق. كانت لديه مشكلة صغيرة، لقد تعود الناس من «الكتاب المنصفين» أن يقرنوا بين الثناء والملام، وأن ينقلبوا من الحسنات إلى السيئات، وإلا كانوا مظنة التحيز والمغالاة.

ولكن ماذا يفعل العقاد مع رجل بحجم عمر بن الخطاب، يعايشه، يحادثه، يهيم به، يناجيه، أصعب شىء أن تحاسب رجلاً كان أشد أعدائه لا يحاسبونه مقدار ما يحاسب نفسه، رجل قَلّ نظيره فى الناس. بينه وبين نفسه، اعترف العقاد بأنه لو وجد خطأً لكان أحب شىء إليه أن يسترسل فيه، لكن بعد تفصيل وتمحيص، لم يستطع إلا أن يقول: «هذا الرجل العظيم أصعب من عرفْتُ نقداً ومؤاخذة، ومن فريد مزاياه أنّ فرط التمحيص وفرط الإعجاب يلتقيان».

قال لنفسه: «لو كنت أفدت شيئاً من مصاحبة عمر فلا يحرجنك أن تزكى عملاً جديراً بالتزكية، وإن زعم زاعم أنه فرط الإعجاب». لذلك لم يكن كتابه «عبقرية عمر» مجرد ترجمة أو سيرة بطل، بل قبلة حب وتحية وفاء.

عمر بن الخطاب، عبقرى من الذين لا يعدون فى الزمن الواحد بأكثر من آحاد، قوى الجسد، بائن الطول، تملأ هيبته القلوب، هيبة من قوة النفس قبل أن تكون من قوة الجسد، تشهد العيون أنه معدن العظمة وقوة العبقرية ومتانة التكوين. عادل لأنه قوى، ومستقيم لأنه عادل، وحازم لأنه مستقيم، بطل إذا واجه الأنداد، رحيم مع الضعفاء، يرق للأرملة، وينفخ النار ويحمل الدقيق، ويرحم يهودياً ضريراً، فيأمر له بما يكفيه من بيت المال،

ويقول: «والله ما أنصفناه إن أكلنا شبابه ثم خذلناه عند الكبر»، يعطف على البهيم الذى لا يحسن الشكاية، ويضرب رجلاً لأنه يُحمّل جمله ما لا يطيق، ويقول: «لو عثرت شاة بالعراق لخشيت أن يحاسب الله عمر». قوى النفس، بالغ فى القوة النفسية، غيور على الحق، جياش العاطفة، شديد الشكيمة، فطن عليم بخبايا النفوس.. فراسة تكشف الخفايا وتستخرج المعانى، ضرب من استيحاء الغيب واستنباط الأسرار.

عادل مفطور على العدل، شديد فى الله بلا هوادة، مهيب رائع المحضر، مفتاح الشخصية هو طبيعة الجندى بكل أبعادها من شجاعة وحزم وخشونة وغيرة ونجدة ونخوة وطاعة ونظام.

يصلى فيسوى الصفوف، ويرى الناس متفرقين فى المسجد فيأمرهم بإمام واحد، ويحمل الدرة ليذكر المخالفين بهيبة القانون. سمت عسكرى بالفطرة، وليس بالأسوة والتعليم، يأمر بتعلم الرمى والسباحة والفروسية والمصارعة،

ويقول: إياكم والسمنة، ويأمر بالجد ويمشى شديد الوطء، جهورى الصوت كما يمشى الجنود، يعيش فى دنياه عيشة المجاهد، فيؤثر الزهد وعيشة الكفاف، ويقف بين يدى الله وقفة جندى يؤدى الحساب، ذلك هو الجندى فى طبيعته المثلى، الفاروق الذى لهجت بعدله الأجيال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mumbuzia
عضو جميل
عضو جميل
mumbuzia


عدد المساهمات : 182
نقاط : 16618
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
العمر : 35

اسلاميات العقاد ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسلاميات العقاد ...   اسلاميات العقاد ... Emptyالإثنين سبتمبر 07, 2009 10:36 am

إسلاميات العقاد.. عثمان ذو النورين (١)


حسن الوجه، عذب الروح، حلو الشمائل، يجمع بين الرقة والسماحة، والجمال والحياء، نشأة العيش الخفيض صحبته من صباه إلى شيخوخته، فى غير تبعة ولا معصية.

عثمان بن عفان، أول بنى أمية إسلاما، وأكملهم إيماناً، أسلم رغم المنافسة الضارية بين بنى أمية وبنى هاشم، فكان فضله فى إسلامه لا يدانيه فضل السابقين الذين لم يكن بينهم وبين الإسلام هذه العداوات، فكانت مكافأة السماء شرف مصاهرة الرسول الكريم، شهادة له بالرقة والمحبة وحسن المعاملة، تزوج السيدة رقية بنت محمد ثم هاجر بها إلى الحبشة فكانا أول المهاجرين، ثم هاجرا معاً ليلازما الرسول، متصلاً بالدعوة منذ بدايتها، لم يفته شىء من أعمال التأسيس، ثم مرضت زوجته رقية فانقطع للعناية بها، والمسلمون ذاهبون إلى بدر، حينما جاء البشير بأنباء النصر كان عثمان يدفن زوجته، وفاطمة تبكى على قبرها فاختلطت فرحة الرسول بالنصر بمرارة الفقد، وراح يواسى فاطمة وهو الأحق بالمواساة.

كان حزن عثمان عظيماً لانقطاع المصاهرة بينه وبين الرسول، فلم يُر بعدها إلا مهموماً محزوناً، فرقّ له الرسول وزوجه أختها أم كلثوم، فأصبح ذا النورين.

عثمان بن عفان، الذى جهّز جيش العسرة وحده، ومات الرسول وهو راض عنه، فى عهد أبى بكر كان من أقرب المقربين إليه، وعمل عمر بمشورته فى كثير من الأمور، ثم تولى عثمان الحكم حين وفاة عمر بعد أن تغير العهد، وسئم الناس شدة عمر، وحتى عمر نفسه ـ رغم بأسه وقوته ـ أحس ببوادر الاختلاف حتى قال فى دعائه: اللهم كبرت سنى، وضعفت قوتى، وانتشرت رعيتى، فاقبضنى إليك غير مضيع ولا مفرط.

كانت هناك تغيرات تعمل أثرها فى المجتمع الإسلامى، فهناك الفتوح والثراء والوفرة، وتضخم الثروة بالتجارة والأنفال، وهناك السأم من بعض شدة عمر، وهناك السخط والتمرد، لأسباب بعضها مفترى، وبعضها حقيقى لكنه لا يبرر القتل.

والذى لا شك فيه أن الدعوة النبوية رفعت مجتمعها إلى أوج لم تبلغه البشرية، لكن دوام القمة لا تقوى عليه النفوس البشرية، فالعقيدة لا تبطل الخلاف، وإنما المطلوب منها أن تحرك الهمم وترتفع بالنفوس، الأمر كان أكبر من أى أخطاء وقع فيها الخليفة بسبب شيخوخته أو أفعال أعوانه، وإنما هو الاضطراب السياسى الذى اقترن بأحوال فترة ما بين الخلافة والملك،

كانت هناك مكاسب للرعية لا شك فيها، وحتى الفتنة انطوت ـ رغم جرحها النازف ـ على حق محاسبة الرعية للإمام ومحاسبة الإمام لنفسه، قبل الإسلام كانت شرعة الحكام طغياناً مطلقاً، فإذا بالفتنة تنطوى على انقلاب هائل، جاء الثوار ليحاسبوا الخليفة على كل صغيرة وكبيرة، ثم انفلت العيار بسبب مشاغبات الدهماء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اسلاميات العقاد ...
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى العدميين العرب :: مقالات و ترجمات-
انتقل الى: